قصة ديلول مع هروب السحالي
يروى أن الحكيم ديلول الذي عرف عنه الكثير من الفطنة والفراسة والنباهة كان ينتجع بإبله ذات مرة في إحدى المناطق الخصبة النائية ، وكان يرد المناهل من مسافة شهرين خوفا وتوجسا من الغارات التي تشن عليه وعلى أمثاله من قبل الأشرار وقطاع الطرق ،
وكان مع حذره وتوجسه ونباهته يترقب الأسوأ في كل لحظة من لحظات حياته المديدة، وكان ينتبه إلى أبسط الأشياء ويتابع أدق المظاهر وأقلها إثارة للانتباه..
في أحد الأيام لاحظ أن إحدى السحالى المعروفة بكسلها وخمولها (الكوتي) تخرج من مغارتها بصورة منتظمة وتعود إليها في وقت محدد كان يتابع تلك الحركة بصورة منتظمة ومتابعة دقيقة،
مرت الأيام وذلك المخلوق على تلك العادة لم يغير من مجرى تلك الحركة الدائبة والحكيم يراقب ،وفي أحد الأيام خرجت السحالى من مغارتها ولكنها لم تعد، اثار الحدث انتباه الحكيم ديلول وقالت له فراسته وفطنته أن أمرا ما سيحدث، فحسبما كان يسمع من قبل من أجداده أن هذا النوع من السحالى نادرا ما يغادر مغارته بصورة نهائية إلا عندما يستشعر شرا وشيكا. عاد الحكيم المتوجس إلى مضارب الخيام عند غروب الشمس وقال لبناته علينا الاستعداد للرحيل عندما تحين الساعة المناسبة لذلك ، ردت عليه إحداهن قائلة كيف لنا أن نرحل وهذه الربوع خصبة ونحن والحمد لله في مأمن من الأشرار ، أي والدي أرجو أن لا تكون قد بدأت تخرف ،يبدو أن الكبر قد بدأ ينال من عقلك ،
ضحك ديلول ضحكة تعجب كبيرة، وقال لها همسا لقد فرت السحالى من مغارتها هذا المساء ولم تعد وإنه لوراء الأمر ما وراءه ،وأخاله شرا مستطيرا ، ولكن حذاري أن تبوحي بالأمر لأي كان فوقت الرحيل غير محدد والوجهة غير معلومة كعادتنا ، خرجت الفتاة وهي تتمتم قائلة ماهي العلاقة بين خروج السحالى وعدم عودتها وانهماكه في الرحيل بهذه السرعة ، إني لأخاف أن يكون والدي قد أصيب بمس من جن.. وما إن حل الليل وأسدل الظلام ستاره على الحي وأخذت النوق مرابضها أمام الحي حتى جاءت تلك البنت الكبيرة إلى ديلول وقالت له لقد راحت الأبل الليلة وبعضها بسنامين، (إذراه تنتين )فرد عليها قائلا ذلك بسبب خصوبة المرعى ودوام العافية قولي للراعي أن يعود بها صبيحة الغد إلى حيث كانت ترعى بالأمس..
عندها عرفت الفتاة أن والدها ما يزال بحيويته الذهنية ،والعقلية المعهودة بفهمه إشارتها المقصودة بصوت مرتفع فرد عليها بصوت أكثر ارتفاعا ليطمئن ذالك المترصد أنهم لن يرحلوا غدا عن تلك، الدار،وقد فهم بسرعة أن قصدها بقولها أن الإبل راحت بسنامين يعني أن هناك شخصا ما يترصدهم ويستمع الى حديثهم بتسلله بين الإبل وتخفيه وراء بعضها القريب من خيمة الحكيم حتى يسترق السمع عن قرب ويوافي به الأشرار ليغيروا على الحي في حين غفلة فلا يتركوا عقالا ولا بعيرا اجربا,,
عندما أزفت ساعة الرحيل المبرمجة بدقة في ساعة الحكيم البيلوجية بدأ الرحيل حيث طويت الأمتعة الخفيغة والقليلة جدا بسرعة البرق فالرجل دائب الترحال خفيف المتاع سريع الحركة،وقد علمته الحياة أن يكون كذلك حتى يستمر على قيدها وإلا لكان مصيره الهلاك ،
وما هي إلا لحظات معدودة حتى أصبح الجميع على ظهور المطايا،وقد امتطى الحكيم جمله ذا الثلاثة ارجل المعروف بسرعته التي تفوق سرعة الزوابع وانطلق الركب المحظوظ في هذه المرة ، وما إن بدأت خيوط الصبح الأولى حتى نزلوا منطقة اكثر نأيا وأبعد منهلا عن الخطر الذي كان وشيكا..
ولكن ديلول الحكيم لم يكن ليتردد في العودة إلى الدار التي أقفرت من ساكنيها ليتأكد من تلك الدرس التي سمع عند الأجداد عن ذالك الشعور الغريب المودع في تلك المخلوقات بالخطر،والذي أخذ منه تلك الدرس التي لولاها لأصبح يقلب كفيه على ما أنفق من عمر وجهد في أقل من لحظة. عاد ديلول وهو بمتطي جمله ذا الثلاثة أرجل والذي لا يمكن لأي كان اللحاق به ليتفقد واقع الحال وما حدث بعده،وهل كان حسه صحيح وهل كانت تلك السحالى على تلك الدرجة من الدقة في استشعار الخطر،وما إن اقترب من الدار حتى شاهد النار والدخان يتصاعدان من تحت الأكمة التي كانت السحالى تسكن مغارة تحتها، وكان الأشرار ينتشرون في كل مكان يحاولون تقفي آثار إبل الحي الذي أصبح في مأمن منهم أملا وراء اللحاق به، فهم الحكيم نيتهم فاقترب حتى رأوه رأي العين وفور مشاهدتهم له تسابقوا باتجاهه، وكان ذلك مقصده فأطلق بعيره ذا الثلاثة أرجل ساقه للريح في اتجاه معاكس للجهة التي كان الحي قد توجه إليها في عملية تمويه انطلت على الأشرار وظلوا يلاحقونه ولكن عبثا حاولوا فذو الثلاثة أرجل لا يمكن اللحاق به وإلا لما دخل الحكيم ديلول تلك المطاردة أصلا فهو خبير بفنون التمويه والمراوغة وبعيره لا يضاهى جريا.
نقلا عن صفحة المدون / محمد المصطفى الشيخ محمد .